المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٢٤

الكاتب والمكتوب

صورة
  اليوم لدينا مشكلة حرجة في مطلبنا الثقافي والمعرفي - على قاعدة توسيع المعرفة عبر القراءة- ومثار هذه المشكلة: أننا لم نعد نجد شيئا جديرا بالقراءة بحيث يبني لنا وجهة نظر ورأي وانطياع ما عن حياتنا؟! ذلك أن  نواة الثقافة، ليست الثقافة في تراكم العدد المقروء من مصادر القراءة، ولكنها فيما طبعت هذه الثقافة على ذائقتك الأدبية والرؤيوية بما تجدك به تثرى وتنضج.  هل أننا قرأنا كل شيء كان يستحق القراءة، واليوم لا شيء يستحق القراءة حقا؟! لن أعيش نوستالجيا الماضي، عندما كنا نسابق العمر لكي نقرأ من هنا وهناك، مع قوة زحمة حياتنا ما بين الدراسة وملاحقة أسباب العيش -أحيانا - مع ما نحمله من الانتقال بين المراحل العمرية من أعباء. ومع هذا، كنا في جنون أن نعثر على مادة نقرأها ونناقشها في عقولنا، وتذوب نفوسنا فيها عشقا مع آخر سطورها.  ولن أقرر هنا بأن الأجيال الجديدة من الكتّاب والمنشور من الكتب هو من الركاكة بأن أصبح النشر جانيا أكثر منه ضحية، ذلك أن المشكلة بدأت مبكرا حتى في عصر أوج القراءة، لنقل عصر نجيب محفوظ وأنيس منصور وغيرهم من الكتّاب في تلك المرحلة التي شهدت شباب الكتابة حينها الخارجين من ظل طه حسي

مذاقات كتابية- الكتابة وقتيًا

صورة
  في طور النمو، إذ نكبر واحتراف الكتابة هو منتهى حلمنا، تلاعب  الكتابة الحكمة في وعينا: فالكاتب هو الحكيم ولابد! بل إن الكاتب يتحلى بما يفتقر إليه الحكيم: وهي الشجاعة، فالحكيم آثر الجبل في حين أن الكاتب ارتمى على كل زاوية مأهولة بالناس ومآسيهم! وإذ من المفترض أن كلام الكاتب لا يمازجه سوء التقدير ولا قصر النظر؛ كيف وهو الكاتب الذي عمله أن يفيد الناس برؤى تساعدهم على إدراك حياتهم من منظور أكثر اتساعا و أعمق فهما.  لذا، كان الكاتب - بحسب هذا الظن- لا محيص وأن يكون قد بلغ من العمر مبلغ الكمال رَوِيَّةً، كما أن الصدق هو معامله الوحيد ليحول الصورة الناطقة للحياة حين تصمت فلا تزودنا بالإجابات، عدا عن مراكمة الخبرة المعرفية، وما اكتسبه من مراقبة تقاليب الأقدار بأهلها؛ وهو ما يكسبه رؤية بعيدة النظرلما هو حاضر وآنيٍّ ووقتيٍّ في لحظتنا المعاصرة.  الكاتب هو ذاك الذي ينسج من الظروف العاجلة نسجا تجريديا للحكمة المصطفاة من الأحداث، إنه يفسر لنا السير الضخم للكون والإنسان متمثلين في الحياة كأحدوثة أزلية ينعت أولُّها تفصيلاتِها، وبألوان الشقاء فيها نجدد الفرح يقينا بأن الثابت سيظل هو الباقي، وإنْ ماجت

الحب بينهما

صورة
  الزواج سكن ومودة ورحمة... ولكنه حب أيضا! لا يملأ مكان الحب إلا الحب نفسه، وكل ما يقال عن عوامل دافعة لاستمرار العشرة كوجود الأولاد، أو متقضيات الواجب الاجتماعي، أو أواصر الرحم الممتدة؛ كل هذه لا تستطيع أن تهيئ النجاح لعلاقة طويلة الأمد كالزواج ما لم يأت الحب أولا.  يقال الكثير عن التعويض مكان فقد الحب في الزواج، فيما لو لم يتحقق، إلا أن التجارب الإنسانية هي الفيصل هنا، وقد تراكمت هذه التجارب لتكون شهودا على أن تحقق الحب بين الزوجين ينعكس في بناء الأبناء روحيا وفكريا. فلا تجد ابنا هو ثمرة حب إلا وترى السكينة والتوفيق والشجاعة في الحياة والرغبة فيها؛ كلها ملامح شخصيته، حتى إن الغير يحب هذا الابن، من دون أن يعلم سبب هالة الحب التي تحيطه -أي هذا الابن- على مراحل حياته كلها. وعلى النقيض، تجد الألم والكآبة والحيرة تضرب مَنْ هو نتاج زواج منضبط ولكن من دون حب بين الوالدين، وإن لأكبر الألم الذي يحمله الابن على حياته المضطربة، أنه يعيش ذنب ضياع الحب بين والديه، وهو من آصار الروح التي لا تغالب.  وقد يكون صعبا أن نضطر شخصين إلى أن يحبا بعضهما، ولكنه أقل مستحيلا، من أن يعيشا حياتهما الكالحة  من د

مذاقات كتابية - كتابة بنت نكتة

صورة
  الكتابات هي شخصيات، تماما كاختلاف طباع الناس. فمن الناس من يغلب عليه اتجاه العلمية فتجد كل مؤلفاته تصب في قوالب محسوبة بصنعة المختبر، ومنهم من هو ابن قلبه، فحيثما يكون قلبه يقوم لسانه، ولو كان في العذاب فإنه يحيله كلمات وقوافي. وقس على هذا الكاتب سليل الفكر، والكاتب منحوت الفنون، والكاتب الشعبي ابن حارته، والكاتب المثقف عصير مكتبته وكتبه.  وهكذا هو الكاتب صاحب الروح الخفيفة، الذي يريد أن يشركك بضحكات نفسه، لأن طبعه يميل للفرح- بحسب ما علمته حياته القزحية!. وهذا النوع من الكتابات المرحة ليست بغريبة في محيط الكتابة العربية منذ بدأ تدوين الطرف والنوادر، وما تحمله من سخرية ونقد تجسيمي يدورعلى الشخصيات المجتمعية والأوضاع السائدة، ولعله صوتا لقول: "لا"، ولكن من دون تحمل تبعات ما بعد هذه ال"اللا". وشخصيا، قد بتّ أميل مؤخرا، إلى الرأي لأن يجرب الكاتب قلمه في كل مذاقات الكتابة، لأن في كل وجهة منها، سيضطر الكاتب لأن يبني ثقافة الفن الكتابي الجديد، وهي ليست بمهمة يسيرة، ولكن حتى لو تخصص الكاتب في فن كتابي مستقل، فإنه ولا بد يفاد من الشعور بمستويات التعبير المختلفة فائدة ستغذ

مذاق الحياة (1)

صورة
  ما أصعب أن تكون إنسانا بلا إنسانية، وليس هذا بالاختيار بل بالاضطرار! إذ كلما قفزت إلى مرحلة جديدة في أيامي، أقول أني في هذه المرحلة سأعيش بإنسانية، ولكني أنقل معي ذات الجمود والخرس .. واللإنسانية. مقصدي بالإنسانية هنا، هو أن تحيا متوافقا مع ذاك الذخير الفطري من المشاعر التي خلقها الله فينا. إننا كائنات راقية جدا، وهذ الرقي إنما أتى تلبية لقدرات ومواهب الرقي فينا. هذه المواهب التي لا يتم الكشف عنها بمجرد عبور الحياة على قاطرة كهربائية لا تقف إلا في محطة أخيرة، ثم ومرة واحدة فقط. إنه يتراكم وأنت تعالج سيرك بروحك كما بقدميك، للتوقف حين تتعب، وللتزود حين تنفذ، ولتعيد ترتيب خارطتك إذا وجدت أنك قد ضللت السبيل. إنها جمالية حقيقية لتلك المسيرة التي تقول في آخرها: كانت الحياة ، كل الحياة، محصلة تجارب وخبرات. الناس الذين يعزلون أنفسهم عن تجربة أنفسهم بكليتها في معاشهم اليومي، يكون قد فاتهم أن يعرفوا حقا من هم! ولماذا أتوا إلى الحياة؟ وما هو المطلوب منهم ليكونوا في أحسن تقويم كما خلقهم ربهم، وما يزال يخلقهم؟ اليوم، لا أرى مطلقا أن الذي يتمنطقون بالدين قد فهموا حقا دين الله، لأن دين الله