المشاركات

الفلسفة وألعاب العقل

  سألج مباشرة إلى قلب الفكرة، فلا حاجة للتفلسف في مقالة عن الفلسفة؟! هل وصلتك الفكرة من هذه الجملة؛ هكذا هي الفلسفة في حقيقتها: بحث في المبحوث، بل والمفروغ منه! دعني أبدأ من البداية، كي تتحقق لماذا كانت هذه هي النتيجة النهائية لرحلتي مع الفلسفة. إننا - كبشر- مقدر علينا أن نوضع في أمور أكبر منا كي تشحذ قوانا العقلية. لم ولن نتقدم إلا في اللحظة التي نجدنا لا نستطيع المزيد! في هذه المعضلة نحو الحركة : انفجرت الفلسفة كخلاص للعقل يعبر بها عن أحقيته في الوجود، في الفهم، في التفاعل مع هذا المغلق وربما المستحيل.  العقل لا بد وأن يتحرك، والنفس لا بد وأن تشعر، وعندما تضعني في كلّي الإنساني داخل محجَرٍ يقصر حركتي، فإني سأظل أحفر بأظفاري كي أجد ثقبا أنفذ منه، هذا الحفر هو تفكير، وهو أيضا شعور وحدس. أفهم جيدا هذا الانكباب المزهو بنفسه المشاهَد اليوم في بيئتنا الثقافية تجاه "الفلسفة"، فالأمر مزودج بين تغييب طويل عن قبول أطروحات إعمال العقل من جهة، ثم تلك الزخرفة اللفظية التي تحملها الفلسفة في ذاتها، كونها بدأت علما للخطابة والتعبير قبل أن تتمحص لتصبح مجمل ما في الأفكار من حياة، من جهة مقاب...

الفكر الإسلامي واللا-عودة

صورة
  حين أتحدث عن مصطلح "الفكر الإسلامي"، فإني هنا أتناول معنى انتقلتُ في طياته، ومبنى أشربته كيانا كليا على ظن من الإيمان بأنه الحصيلة النهائية ومحل الثقة لفكرة وضع الإسلام، ومن ثم  الحياة في ظل الإسلام، موضع البحث والنظر.  ولست هنا أعيد تعريف هذا المصطلح، ومدى ما شابه من اتساع عند مختلف الأقطاب، إلا أن ما انتهى إليه هو أنه يُظهر ما بطن من نظرة الإسلام إلى ما يهم الإنسان، عامة، والمسلم خاصة في صلاح معاشه الدنيوي.  والتحدث عن بواكير هذا المصطلح والسيطرة التي كانت له قبل عشرين إلى خمس وعشرين عاما مرت، يشوبه التشعب الذي لا بد هو مخل بشمولية التحولات مما أصاب هذا الفكر المنعوت بالإسلامي تماشيا مع فكرة "الأسلمة" التي تمنطقت بيان تلك السنين. غير أن ما أخلص إليه بأن مصطلح الفكر الإسلامي ومؤداه لم يكن سعيا حميدا، وإن كانت النوايا صبعته بالخلوص وحسن الظن.  عندما أخذ المصطلح بالانتشار في الدول العربية خاصة، والإسلامية بالعامة، تنازعه اتجاهان متقابلان:  الاتجاه الأول: القبول بالكلية/ وهؤلاء وضعوا له مؤتمرات ومجلات ودوريات، وحتى لو أنك دخلت المكتبة القريبة في بلدك فإنك س...

تجلي المتعة

صورة
  كل من يريد أن يقدم نتاجا لا بد وأن تتجلى فيه روح المتعة! هو شيء لا يمكن فرضه، ولكنه يسري في الأعمال التي نقدمها حين نعيش فيها استمتاعنا ورغبتنا وشوقنا للامتداد البعيد الذي لا يحد مع كل هذا الشيء الذي من أسمائه : الوجود، الكون، الحياة..الإنسان. هذا التجلي للروح المستمتعة بما تؤدي يقطع الزمن ولا يقطعه الزمان، نقف أمامه تأخذنا رجفة الخلود، وكأن ما أحد كتب قبل هذا الكاتب، ولا أحد قرأ كمثل هذا القارئ، ولا أحد كان مع كل هذا الإرث المتراكم! والسر يجري في أن قليل القلة من عاش متعته في هذا النتاج . صدقا، فإني حين أقرأ عملا أدبيا، أتملى أولا: هل استمتع الكاتب وهو يكتب نصه، سواء أكان شعرا أم قصة أم رواية؟ عجيب هذا التساؤل، وهو شيء خارج عن مجال القراءة المباشرة، ولكني اكتسبت هذا النزعة إلى الاكتشاف عن جوانية الممتِع، من طول الدربة في قراءة الرديء، وأقصد به الجاف الذي يمليه كل دافع غير أن الكاتب اراد أن يعيش هنا و فيما يكتب، وحسب. وعليه نقيس، ما يملؤنا حين تقف أمام عمل فني يخبرك  عن صاحبه الغائب: أن مؤلِفي أراد أن يعيش متعته بي، فمنتحته تلك رفاهية لأن أسري في وعي من سيأتي ويشاهد هذا العم...

اللعب بالعبث

صورة
  ما يدمر الإنسان، ومن ثم الحضارة كلها، هو شيوع العبث في أسلوب تفكيرها، حتى ليصير واقع معاشها بكل تفصيلاته! والعبث هنا ليس انتشار الملهيات، والولع بقشور الحياة، أو السعي في الوهم؛ فهذه كلها سمات بأن المجتمع قد بات عبثيا فعلا.  العبث هو الاصرار ، هكذا الإصرار، على رؤية الإنسان على غير حقيقته، فكل واحد منا يريد أن يرى الآخر كما هو يريد أن يراه. هذه الجريمة بإلزام الشخص ملامح ليست له، وما يتبع ذلك من طريقة الحديث، والميول الخاصة، وحتى أساليب العيش اليومية؛ إن فرض النمط غير الأصيل على إنسان ما لهو أقصى صور العبثية بهذا الكائن!  عندما يقف أمامك "الممثل" في عمل تمثيلي ينال استحسانك وتصفق له، فأنت تظل تضبطه بهذا الدور، بل وأنت ترفض أن تعترف له بوجوده الحقيقي خارجه! وهذا الهوس بالضرورة هو قائد كل من الممثل والمراقب أو المشاهد، إلى اجترار الكذب الطويل على طرفي الوجود: الممثل يود الاستمرار في المهنة، والمتابع يود أن يصدق بوجود ما يشاهد! وحين يصبح الوجود بحد ذاته فرضية للنقاش فأنت في النهاية تكون قد رميت بقصة الوجود كاملة تحت قدميك! والشكل المشاهد للإنسان الذي يعيش العبث أنه المهرج ...

التاريخ الشخصي لأرض ما (2) الحب

صورة
  هل يُعَد الحب مكونا تاريخا في أي أرض؟ للحق، ما لم نبدأ في اعتبار الحب تاريخا مستقلا لكل أرض فإننا ما نزال ندور حول أنفسنا من دون أن نطأ الأرض بأقدامنا، بل بقلوبنا.  الأرض هي موعد الحب المتجدد. إننا نحب لأننا نشعر بأن ثمة ارض قارة على أن تحوينا وتؤلف  شعث نفوسنا. كل قصة الحب هي الأحداث المنعقدة بين الإنسان والأرض. ولعلنا اختزلنا تاريخنا طويلا كان يمكن كتابته بإنسانية، لو ما كنا أهملنا معامل الحب في تطور الحياة، والتي حصرنا نظرتنا إليها بالحروب والاقتصاد وحسب.  حين نبدأ منهجا جديدا لكتابة تاريخ الإننسان، فإننا نكتب أخص ما في هذا الإنسان، أي تاريخ دوافعه،ثم تاريخ ما كان الأساس في بناء هذه الدوافع، أي تاريخ الحب.  هل ترى يصدقني أحد لو أني أخبرت بأن كل ذلك الصراع مع ضغوط العيش، والاستعمار للبلدان، وانقسام العالم إلى أكثر من محفل، حتى إن تاريخ الحروب ؛ كل ذلك هو معاناة الإنسان مع رغبته في الحبّ! قديما قالوا أن من عجائب اللغة: أن اختلاف ما بين كلمتي الحب والحرب هو حرف واحد! ولكنه حرف تكراري، أي الراء، ولذا فإن الحرب تتكرر في تاريخ الإنسان الواحد، ولكن الحب نادرا ما ي...

التاريخ الشخصي لأرض ما (1)/ الأصالة(ب)

صورة
  ما هي الأصالة؟ كثيرا ما نصف مثلا فنقول: الأزياء التقليدية علامة على الأصالة، الأصالة في العمارة الإسلامية والعربية، الأصالة في العادات والتقاليد..، وهكذا، فهل تتوقف الأصالة عند المنشور الظاهر من النشاط الإنساني؟ لو عدنا إلى القاموس العربي سنرى أن الأصالة هي من خصائص الوصف الأدبي للأديب المستقل في بناء أسلوبه في الكتابة، والتعبير عن رأيه وفكره من دون استنساخ ما عند الآخر، أو قريبا من هذا المعنى.  وما أبتغيه من عرضي هنا للأصالة هو ما تلبستُ به من تجارب فكرية كنت أدوِِّرفيها لأستطيع الإجابة عن تساؤلاتٍ مما تعرض للعقل المنفتح وهو آخذ في النضج، وإني أعزم على أن البحث والتنقيب في الأفكار هو من فضائل التعب الذهني لمن يريد أن يتفرد بهذا العبء مدى حياته.  حين تريد لفكرك أن يتشكل ليتخذ موقفا تجاه قضية ما، فأنت إما عائد إلى مخزون القراءة من الكتب التي تعرضت لتجارب الإنسانية، أو للاستقراء من النماذج  البشرية الحية في عالمك، والذين يعبرون في منهاج حياتهم عن خبراتهم المتراكمة، ويعيشون بما يؤمنون به من أفكار وتقاليد.  ولشيء من خدعة الزمن، تظن أنك قد وَقفت على كنوز بشرية مكتو...

التاريخ الشخصي لأرضٍ ما (1)/ الأصالة(أ)

صورة
  هذه سلسلة وليدة من الكتابات التي أبتغي منها قراءة الحياة كما حُمِّلتُها من الأرض التي عشت عليها. ولست هنا بصدد الكتابة عن تاريخ هذه الأرض وجغرافيتها، ولعل الأرض هنا هي رمزية لما قام فوقها من سيرة وحكاية، ذلك أننا في بشريتنا تختزل الأرض استطراد وجودنا لنخرج أشبه إما بالمدمجين بها أو النافرين عنها، إلا أنها حاضرة حتى لو أننا تنكرنا لها وهاجرنا منها.  ولعل الالتصاق بالأرض/ الحياة الذاتية، هو رغبة في العثور على "الأصالة"التي أتخلى عبرها عن الملاومة ذات الاتجاهين بين ذاتي وقدري، أو الوجهين المتقابلين بفكرة واحدة: وهي أنا، فيكون أحدهما ذاتي، والثاني كل آخر غيري. للحق، لم أكن يوما ذات هوس بعراك مع الخارج، ولم أر أن غايتي كانت التطلع المفرط للبعيد، صحيح أني عانيت من تكرار عقدة "إثبات الذات"نوعا من الانعكاس عن اتجاه التغييب الذي مشى معي مشوارا غير قصير من بكارة سعيي، ولكن حتى هذا لم يخرج ولا بصورة قريبة من صراع، أي صراع، على أي مستوى! لربما لإيمان طفولي متعقل بأن الله خلق الحياة تسعنا جميعا، وأن الاقتتال على وقت الحياة ومدخراتها هو نوع من الكفر بالله وحكمته. ولعل هذا يقرر-...