المستكتَب/ ما قبل-الكاتب
Photo by Steve Johnson on Unsplash
في الإنترنت ثورة كتابة! لا مجال للمفاضلة على هذه الحال، فكل داخل وخارج ومبحِر على الويب يحار ويغور بين كمٍّ من الكلمات الذي لم يخدشه – ولو قليلا- مزاحمة المحتوى المرئي والمسموع، بل إن منصة يوتيوب الأشهر في المحتوى المرئي، تضع أيقونة (النص) تحت الفيديو لمن يريد قراءة النص المكتوب بهدف التغلب على مشكلة سمعية، أو لمن يريد التحكم في النص عبر الترجمة ونحو ذلك. أي أن الكتابة والمكتوب ما يزالان سيِّدا التأثير في المتلقي، وهذا وحده كاف لمن يقول بأن زمن الكتابة والقراءة قد انتهى!
ولكن من جهة أخرى، فإننا أمام إشكالية حول مفهوم "الكاتب" المترنح عشوائيا على الويب. فكل من يترك كلمات يسيرات على الويب الاجتماعي يكتب في تعريفه: "كاتبا"! هذا قد يكون مقبولا لو جعلنا معنى الكتابة على أصلها المعجمي ما هو خلاف "الأمية"، ولكن في مستوى الحرفية الكتابية، فمن المؤكد أن ليس كل من يكتب وينشر وله متابعون؛ هو بالنتيجة كاتب.
الكاتب – كان وسيظل- هو من يحمل "همًّا" تجاه موقفه من الحياة، أو من لديه "موقف" حيال ما يواجه ككائن منفعل بمسيرة التاريخ الدائل في زمانه. إن الكاتب ينتزع فكرته عبر التأمل المرير في مركبات الرفض والقبول والتفسير والتأويل، أو حتى الصمت كنوع من كتابة اللا-صوت.
وبنوع من التطور الطبيعي، لا بد من التسليم بأن كل كاتب بدأ "مستكتَبًا" قبل أن يتطور إلى النوع الأعلى؛ "الكاتب". المُستكتَب هو من يكتب لسبب، سواء أكان سبب تستدعيه ضرورة ممارسة الكتابة مهنة للعيش، كما هو الحال في كتابة: كاتب العدل، كاتب العقود، كاتب واجب التعبير المدرسي. أم لنوع من السبب الذاتي الموجّه بمؤثِّر خارجي، كما نرى اليوم في كتّاب الإنترنت: المدونين، محرري المجلات الإلكترونية، الكتّاب المستقلين، كتّاب المنتديات، كتَّاب ومحرري قنوات التواصل الاجتماعية.
هذا الطور من الاستكتاب، هو السابق لمرحلة الاستواء إلى طور "الكاتب".
فالمستكتَب غير ملزم بتقديم وجهة نظره تجاه الحياة، إنه قد يملي بعض الرأي ولكنه رأي غير نابع من التفكير ولا المقارنة ولا البحث ولا كل أدوات الكاتب العتيدة التي يسخِّرها لاستخراج خلاصة موضوعية أو متفردة للحدث.
كما أن الكاتب لا ينشغل باشتقاق رأيه على كل ما هبّ ودبّ من صرعات القيل والقال، كما يحدث لمتتبعي آخر الوسوم على قنوات التواصل الاجتماعية بهدف زيادة عدد المتابعين.
والمستكتَب أو طور ما قبل-الكاتب، غير معنيُ أصلا بالحصول على "فكرة" ليكتب حولها، إنه يستنسخ ويعيد إنتاج ما تضج به الويب عبر الصفحات العربية أو الأجنبية، لأنه وكما نؤكد، يود الحصول على المتابعة والوجود الرقمي من خلال ملاحقة المستجدات. وليس كذلك الكاتب الأصيل الذي قد يستحيي المندثر، ويستحضر المنسيّ ليبرر لنفسه مؤونة الكتابة فيه.
ولكل ما سبق، لا نطلق مسمى الكاتب أيضا -قديما ولا الآن – على المحررين في الصحف والمجلات المتخصصة، كالمجلات العلمية، والباحثة في الجغرافيا والبيئة، والتقنية والاتصالات، وأسلوب الحياة والأزياء والموضة والديكور، والإدارة والاقتصاد، والتنمية البشرية، وكذلك السياسة فيما لو كان المقصود التحليل لا أكثر. إذ الغالبية في عمل المحررين في هذه المجالات تقديم المفاهيم والتعريف بالجديد من الظواهر في الكون وتطور الحياة، أو التسويق للمنتجات وأسلوب الحياة العصرية، وهذه كلها ليست من موضوعات الكتابة، ولا يطرقها الكاتب المكتمل الطور.
ولسنا هنا، نقلل من شأن التدوين ولا الكتابة عبر الويب، ولكن وضع المكعبات بحسب ألوانها المتسقة مهم للحفاظ على التراكم المعرفي، والثقافي، والفكري، وكل واحد من هذه المسميات له فنونه وميادينه، وكتّابه كذلك.
وفي مدونتي هذه، أجدني أمام سؤال الكتابة الذي بدأت به المدونة قبل سنوات: هل أريد من خلال هذه المدونة أن أحسَب: "كاتبة" أم "مدوِنة"؟! فلو كانت الإجابة: إني أريد أن أكون كاتبة، هذا يعني تعطيل عنوان المدونة نفسه، لأن الكاتب يستحيل أن يخرٍج كل يوم نصا كاملا يستخذي روحه وعقله في سبيل إنضاجه.
فهل تراني أبدل اسم المدونة تفاديا للضيق في مساحات كلمة "يوم"؟!
لا، سأحفظ للمدونة عنوانها لأنه عامل محفِّز لي، ولكني سأكرر أنه "يوم من أيام الكتابة"، فأيام الكتابة كأيام النعمة..تأتي وحدها سريعا، ثم نرجو أن لا ترحل بغتة.
pexel.com
👌🏾
ردحذفشكرا ومرحبا بكم
حذف