من نزع منا إنسانيتنا
شئنا أم أبينا .. اعترفنا أم
كابرنا ... اكترثنا أم تجاهلنا .. فمن المشاهد أننا قد فقدنا أول نقاطنا الإنسانية
مع دخول أول نقطة
( Dot) رفمية إلى عالمنا الصغير !! بل وقد صار الحقيقي أننا نعيش في
اللاحقيقي
(online) وأصبح الواقع أننا في الواقع
الافتراضي
(virtual world)،
وتنامت الشخصية الرمزية الوهمية ( avatar) على حساب الشخصية الحسية والمعنوية
معا ... ثم ماذا ؟ هل تبقى من إنسانيتنا معنى لم تغزه الرقمية والنقطية والويبية (Web)؟ ربما لم نعد نملك معنى واضحا لمفهوم الإنسانية كي نتخذه معادلا للقياس
والتقييم!
إننا نندفع بشراهة ، رغم يقيننا
بأن ما نحن عليه يخالف المنطق الطبيعي للنمو الكوني ، وأقصد منطق الأحداث والأشياء
، نهرول نحو مزيد من تلاشيء الطبيعي و العفوي والحقيقي من أنفسنا وحياتنا عبر ما نغلف به
تفاعلات هذه الحياة من الإيحاءات الكلامية والنقطية عبر التواصل الإلكتروني . أنت
لست أنت ، مهما خدعت نفسك أو تماديت في الحيلة ، حينما تكون في محادثة إلكترونية
أو عبر تصفح عرضي على الويب . لأن وجوهنا صارت تنسى كيف يتم رسم قسمات البشاشة على
محياها ، أو كيف تعقد ثورات الغضب والحزن في أقطابها ، إن وجوهنا صارت تلك الوجود
التعبيرية التي لا توحي إلا بأقل قدر من المشاعر والأحاسيس ، عبر وجه مبتسم هنا أو
آخر غاضب هناك أو ثالث يحوي كل شيء وأي شيء ،ما عدا أنه وجه إنسان مخلوق حقيقي من
عالم البشر . هل طمسنا "المخلوقية" فينا كذلك !! ربما ، وإلى حين غير
معلوم.
لا أعرفك ولا تعرفني مالم تتواجد
على برامج المحادثة عبر الهاتف النقال أو الإنترنت ، لو فقدتك يوما فلن أكلف نفسي
أكثر من كتابة تعليق ساخر أو رسالة هزيلة لا أبحث عبرها غن إجابة شافية ،
ولن أكذب في ذلك أيضا ، لأن وقتي لم يعد يتسع للسؤال والمواساة أو حتى استهلاك اللحظات
عبر صوت إنساني أسمعه ويسمعني ، أو من خلال اللقاء عبر موعد يكلفني أكثر مما تكلف
لي ولك رسائل نصية ، هذه ( النصية) عندما اخترعها الإنسان أول مرة ، لتكون مهارة
كتابية يوصل بها أفكاره ويخلد في حروفها مآثره ، لم يدرك أنها ستكون بديلا عنه ،
بحيث يُنسى هو كذات كاتبة أو خالقة للنص ، ليبقى النص وحده ، ثم للتحاور النصوص ،
ومع هذا التحاور "التناصي / النصوصي" ، لا يعد مهما من الشخص وراء هذا
النص ، أي أن المصدرية تختفي وتتلاشى وراء أهمية ما يتم تداوله ، لذلك كثرت السرقة
والقص والنسخ في عالم الإلكترونية ، بشكل لم يسجله أيام كان التداول حقيقيا مباشرا
، ففي العالم الرقمي لا أهمية سوى للنقطة (DOT). وكل ما
عداها فهو سديم لايلبث أن يجف مع زيادة فاعلية الألياف الضوئية وابتكارات السرعة
الفائقة والنطاقات ذات السرعات المدهشة.
حسنا ، ليس لديك : واتس آب ،
فيسبوك، تويتر ، تانجو ، فايبر، كيك، ماسنجر، لاين....إلخ إلخ إلخ ، فهذا معناه
أنك بحاجة لأن تراجع شهادة ميلادك ، أو تتحقق من وجودك كإنسان ، ومن فاعليتك ككائن
نشيط ! هذا صار مقياسنا في عصر الرقمية ، فمن ليس على المنصة ، أمام سبعة مليارات
مشاهد ومتابع وشغوف بالملاحقة في الكرة الأرضية ، هو في الحقيقية غير موجود على
الإطلاق .. وهذا هو معيارنا الجديد ، معيار تتقاطع فيه الإنسانية مع الرقمية ،
ونظرا لتبدل الأماكن وفقدان الإنسان سيطرته على ما صنعه ويصنعه من أدوات .. صارت
الغلبة للإكترونية والرقمية على كل الوجودات الأخرى ، أي أن الوجوه تلاشت ،
والألسن تساوت ، وأنت وأنا صرنا شيئا واحدا ... هو (Dot) النقطة ..
نقطة على السطر انتهى .
تعليقات
إرسال تعليق