فن المطالبة

في الثقافات الوثنية الشرقية، يُقال إن الوصول إلى النيرفانا، اكتمال الحكمة أو الاتحاد مع الإله، يتحقق عندما يتوقف الإنسان عن المطالبة بأي شيء من الحياة، على اعتبار أن الإله لا يحتاج شيئًا لأنه مكتمل بذاته! ولأننا لا نعتقد بهذا الأمر، فإن المطالبات لهي الصدق الذي يبرهن على صحة العقيدة: إننا نطلب من الله لأننا نؤمن بالله ، ونفتقر إليه . لكنني أرى – كذلك- أن التوقف عن المطالبة يعني التخلي عن جوهر وجودنا. فالمطالب ليست مجرد رغبات، بل هي إشارات إلى الحيوية الوجدانية التي تجعلنا ندرك ذواتنا ونسعى لفهم العالم من حولنا . حين يولد الإنسان، تكون المطالب أولى خطواته في التعبير عن وجوده؛ بالبكاء يطلب الطعام أو الحنان، وغالبًا ما يكون طلبه الأول موجّهًا إلى أمه. هذه المطالب البسيطة تحمل في طياتها أعمق إشارات الحياة: أننا موجودون ونستحق السعي . ولعلنا لا نبعُد إذ نقرر بأن الأدب ، كان وما يزال، هو محاولات حثيثة لتقريب أهمية فن المطالبة من أذهان المتلقين، أيا كانت وسيلة التلقي، فالأديب كل ما يريده أن ينبه ولو صراخا بأن المطالبات هي قصص وجودنا النابض بين تسلسلات ال...