اكتشـافـــات



اكتشف سرّك في نفسك

      من المهارات التي يُستحب للإنسان أن يعمل على تطويرها؛ أن يكون ذا قدرة على فهم تطور ذاته وتقلباتها بين مختلف التفاعلات التي تواجهه في بيئته، ذلك أن ديناميكيتنا وحيويتنا النفسية والذهنية إنما تنمو في ظل التلاقح الذي ينتج عن تجربة الخطأ والصواب في حياتنا .

إن الانفتاح على الحياة بكل مافيها من منح أو محن، صعوبات أو مشاكل، عراقيل أو قيود؛ هو وحده الذي يجعلنا نفهم ذاتنا، ونقدر شعلة التفرد الإنساني في كوننا قد خُلقنا بشرا .

لقد أساءت المعرفة الحديثة حين اعتمدت على التخصص المحض فأصبح الإنسان أشبه بالترس داخل الآلة  دون أن يدرك كيف تدور الآلة كلها. لذلك تضارت المعارف ونشأ الصراع بين مختلف الاتجاهات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، فنشأ لدينا مفهوم "التشيّؤ"، و"التفكيكية"، و"التجزيئية" ، والنظرة المبتسرة إلى " الكُلّ" الإنساني، حتى أصبح الصراع بين عقل الإنسان وقلبه وجسده، أشبه بالثابت غير المتغير في معارفنا،  في حين أن الأصل هو التكامل والتوافق، ومن العجيب أنه لم تنتج الدراسات في الحقول المعرفية المختلفة : نفسية كانت أو اجتماعية أو علمية بحتة؛ ما يخفف من هذا التضارب، أو يُرسي شيئا من التوازن بين القوى المبعثرة والمتصارعة .

ولم نعد نعجب من علو أصوات تنادي بالعودة إلى الموسوعية المعرفية أو بعضا منها في المسار الجديد للمعرفة تخفيفا من هذه التناقضات والصراعات . والأمر ذاته ينطبق على الحياة ، فالحياة الضيقة لا تنتج فكرا ناضجا ولا أفقا علميا ولا حتى أخلاقا سامية ، فنحن كالكبريت الذي لا ينبثق نوره إلا بالاحتكاك المستمر والمعاجة الحثيثة . إن النجاح في اختبارات الحياة المتعددة هو الذي يبني فينا الخبرة ويجعلنا أكثر نضجا و يُحمس فينا الشجاعة والإقدام . لقد أبرزت الدراسات كلها على أن محور العلاج للمشاكل النفسية التي تعوق التطور النفسي للإنسان ،كعقدة النفص ، وعقدة الذنب ، والاكتئاب والانطوائية ، وصعوبات التأقلم والتكيف وغيرها من العيوب النفسية ؛ يصبح من السهل القضاء عليها وتخليص الإنسان منها إذا استطاع أن ينمي في أخلاقه " الشجاعة " كسمة أساسية في تكوينه الأخلاقي والنفسي والفكري . ولا يغيب عنا أن الشجاعة إنما هي مهارة مكتسبة يكتسبها الإنسان من الدخول في الحقول المختلفة واقتحام الساحات غير المألوفة، وأن يخرج الإنسان من مربعه المحدود ومساحته الضيقة في الحياة .

هذه هي : كلما وسعنا مساحتنا الخاصة في الحياة عن طريق إدماجها في معتركات جديدة تكون أكثر شجاعة وإقداما؛ نصير قد انفتحنا أكثر على الحياة . ومع تكرار هذه الانفتاحات في كل الاتجاهات نفهم أنفسنا أكثر ونكتسب خبرة في السيطرة على ذاتنا والتخلص من تقلبات الواقع دائمة الاضطراب والفجائية . 

------------------------




اكتشف سرَّ الله فيك

   كل أرض في أي بقعة من العالم تٌنتح محصولها الذي تكنزه خميرتها ، فلا يلائم أرض زرع أخرى إلا على كبد ومؤونة لا عن فطرة ويسر . والسبب أن كل أرض تحمل سرها داخلها ، وما الثمار المخضرة فيها إلا بعض كلماتها ألقتها بإذن ربها إلى قلوب تتغذى عليها وتسمع نداءاتها فيها- لو كانت تفهم أو تعي! . فللغذاء معنى خفي يكمن في رسائل الأرض إلينا . لذلك من الإجحاف أن ننظر إلى الغذاء على أنه مركبات كيميائية دون أن نسمع صوت الحياة، وحكاية المصير في كل ثمرة و بذرة .
    وقس على ذلك كل ما أُريد له في الكون أن يخرج نتاجه، كالبحر والنهر والشجر، بل وحتى الصخر؛  كل منها يحمل اختلافه في سرّه الذي منه ينطلق وعليه يدلّ وإليه يعود .
فلماذا لا يدرك الإنسان هذه الحقيقة الخلْقية ويبحث هو في ذاته عن سرّ الله فيه ويخرج به عمله الذي لن يحسنه سواه . حينها فقط سيُفتقد لو غاب أو رحل لأن له ذكرا فريدا من عمل فريد .
إن الآلية تطبع التماثل بين قدرات البشر ومواهبهم، وهذا قاتل لسر وجود البشر ، فلا نعجب لو رأينا أن الفرادى الذي رفضوا هذه الآلية هم وحدهم  الذين حققوا الإنجازات والإبداعات الفريدة لأنهم كسروا جمود الوضع القائم .
قد يتصور البعض أن معنى أن يعيش الإنسان بسرّ الله فيه ، أنه سيبلى بالفقر في أي وجه من منافع الحياة ورونقها ، خاصة لو وجد أن له صنعة فريدة وهمة غريبة !!وهذا غير صحيح، لأن الله الذي خلق هذا السرّ في داخلك قد خلق في آخرين احتياجا إليه، فعلى قدر نبوغك فيه يزداد افتقار الكون إليه.. و إليك !
ومهما رام الإنسان أن يكسب قوة وجوده وقوت رزقه بعيدا عن هذا السرّ؛ فإنه ولابد سيهزم أمام ذاته أولا ، وسيظل الشعور بالنقص من نوع ما يزداد في داخله اتساعات حتى ليشكل فجوة بين مهاراته وقدراته ، أو عمله وعلمه ، وحينها إما أن يكفر بكل شيء ، أو يعي كل شيء ويعيد ترتيب طاقاته .
سرّ الله فيك في باب رزقه لك، وكذلك باب دخولك عليه ، وهو مسماك في سلم الخلق ، تماما كما أن لك اسما في سجلات الميلاد .
وهذا معنى أن العمل هوية الإنسان؛ إذا عرفنا أن العمل باعثه هذا السرّ . فأول ما على الإنسان العاقل أن يهتم به هو أن يبحث في ذاته ويراقب قدَره ليستدل على سرّ الله فيه . وقد لا يكون سرا واحدا، بل أسرارا متعددة كلها تحدد شخصية الإنسان المتفردة ، كما أنها  تأتي له برزقه من أقصر الطرق وأيسرها . وليس بالضرورة أنه رزق الترف, ولكنه رزق الكفاية والرضى . هذا الرضى لا يعدله شيء حين يشعر الإنسان أنه ينمو من ذاته بذاته وإلى ذاته .
ولشيء من خطورة هذا الإدراك الذاتي في القضاء على الاستهلاك كنزعة عنصرية داخل كل إنسان؛ عملت القطاعات التجارية على تعمية الإنسان عن ذاته ، فاختارت نماذج لا تمثل كل البشر ، ثم جعلت هذه النماذج نمطا منها وحاجاتها وآمالها و أحلامها هي المسطرة التي يقاس بها كل الناس . وما ذلك إلا رغبة في ترسيخ الاستهلاك للنموذج الإنساني الواحد وما يتبع ذلك من زيادة مبيعات الأدوات التي ترسخ نمط الحياة هذا .
------------------

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )