المشاركات

عرض المشاركات من يوليو, ٢٠١٢

أحاديث السّمار

رمضانيات ( 8 ) في ليالي رمضان تدركنا الحيلة للمسامرة ورواية القصص ، ولكنه وإن لم يكن أحسن القصص ؛ إلا أن له نصيبا من العبرة والنور ،تماما كما ينال الصغير الحكمة مبكرا فلا يضره قلة أيامه ما دام قد رجح به عقله وضبط له فؤاده . الحديث الأول : السامر رقم (111) طلب مريد من أحد الصالحين أن يعلمه الحكمة ،فأمره المعلم الصالح أن ينطلق في الصحراء ويجوبها ما طاب له المقام ثم يعود . فعاد المريد بعد يوم وليلة هاربا من قيظ الهاجرة وزمهرير الليلة ووحشة الفلاة ،فسأله الرجل الصالح : أين صحفك التي دونت فيها الحكمة عن اللوح العظيم ؟ فتعجب المريد وقال : ما وجدت لوحا ولا دوّنت حكمة !! فأمره الرجل الصالح أن ينطلق مرة أخرى إلى البحر ويبحر فيه ما ارتاحت نفسه ثم يعود .فعاد المريد بعد يومين وقد أعياه هدير البحر وهيجان الموج وركوب المغامرة ،فسأله الشيخ : أين صحفك التي دونت فيها الحكمة عن اللوح العظيم ؟فأجابه المريد :ما وجدت لوحا ولا نقلت حكمة ! فأمره الشيخ أن ينطلق في البرية ويطوف بالجبال ويمكث ما أنست نفسه ثم يعود .فانطلق المريد يضرب الأرض سهلها وجبلها ،يشرب عذبها وملحها ،يعانق شجرها وشوكها ،ثم عاد بعد

القواعد العشر

صورة
رمضانيات ( 7)    مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ & وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  للإمام أبي حامد الغزالي العديد من الرسائل والمؤلفات التي تدور كلها حول فقه  الوصول إلى الله ، وكيفية اتباع السبيل القويم الذي يفضي إلى القرب من الله تعالى .ومن رسائله القيّمة في هذا المجال رسالة بعنوان ( القواعد العشر) أراد أن يضع فيها قواعد مختصرة ومحددة للسالكين على درب المجاهدة ،ثم يترقى المرء بقدر عزمه ومكابدته بعد توفيق الله تعالى له إلى الدرجات العلى من العلاقة مع الله تعالى .وهنا نضع خلاصة هذه القواعد لنفعها العظيم تاركين لكل مسلم مريد أن يكيفها بحسب طريقته في التقرب من الله متقيدا بالاتباع لا الابتداع ، كما قال الغزالي نفسه . القاعدة الأولى :النية الصادقة الواقعة من غير التواء ،لقوله عليه الصلاة والسلام " وإنما لكل امرئ ما نوى ".والمراد بالنية عزم القلب ، وبالصادقة إنهاؤها للفعل والترك للرب ،وبالواقعة استمرارها على هذه الخلة الأثيرة ،لأن للت

الفطرة والصداقة مع النفس

صورة
رمضانيات ( 6 ) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  لا تعاند فطرتك ! هذه خلاصة الوجود البشري كله ،وتذكّر أن فطرة التوحيد في داخلك هي الإطار الذي يحفظ الرغائب والشهوات والغرائز الدنيا ،والغايات والهموم والقدرات الفكرية العليا ،والحقيقة أنه في عالم الفطرة ليس هناك من دنيا ولا عليا لأن النفس الإنسانية واحدة وهي بكليتها تحتضنها الفطرة الواحدة الأصلية . إن التضارب المتوارث ثقافيا ؛بين عقل الإنسان وروحه وجسده ، إنما هو موهوم بكل أبجدياته ،قد وضعته الأيدلوجيات التي تصور الصراع هو الأصل في الكون كله خلقا وإيجادا ، وتسييرا ومآلا .فهناك الصراع بين الخالق والمخلوق (أن الإله بعد أن خلق آدم على أحسن ما يكون وبدأ يظهر جمال آدم وذكائه ، حسده الإله الخالق وجعل من آدم بؤرة صراع يتمحور حوله تدبيره لهذا الكون !) ،وتبع هذا الصراع صراع دائم بين كلية الإنسان الداخلية من جهة ، وقوى الغيب من جهة أخرى ،وباقي أفراد الخلق في الكون ،حتى وصل إلى معاد

معرفة أم تعدين

صورة
رمضانيات ( 5 )   سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  هل وصلنا إلى شفا الجرف الهاري؟  هل وصلنا عصر معرفة الضرار ؟ هل باءت كل جهودنا المعرفية بالفشل ،وصارت الأمية هي الحل الوحيد لإعادة تدفق الإبداع الإنساني الأصيل وسط ركامات  النسخ واللصق للمعرفة الإلكترونية ؟ هل ما عادت المعرفة شارة التميز للنوع الإنساني ؟ وما عادت نجمة الأفق التي يتطلع إليها الناس و يبيتون ليالهم يحلمون بالوصول إليها والارتشاف من انعكاسة شارتها على قلوبهم ؟مع  كل الزخم المعلوماتي و التجييش المعرفي الذي نعيشه اليوم في عصر التقانة الحديثة وأحدثته ثورة الإنترنت في تشعيث المعرفة الإنسانية وجعلها أشبه بالشعرات الهشة في رأس اشتعل فيه الشيب ؛هل ترانا وصلنا إلى كل معرفة يستحقها الإنسان ،فلم نعد بحاجة للتطلع إلى المزيد ؟هل حققت كل هذه المعرفة كرامة الإنسان واستقراره وأثرت روحه وعقله وجعلته أفضل إنسانيا ؟ كل هذه الأسئلة تتطلب منا أن نعيد سرد قصة المعرفة وفق كل السيناريوهات المحتملة يحدونا همّ

قصير المدى بعيد المدى

صورة
رمضانيات (4 ) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا (84) يعيش الإنسان في حياته تنازعا بين هدفين كلاهما من مقدرات عيشه وأولويات وجوده ، ولكن المشكلة تنشأ حين لا يستطيع الإنسان أن يدرك أيهما صاحب الحاجة الملحة ،وماهو ذاك الشيء الذي الذي يظل حلما سيتحقق يوما ما ولكن الله وحده يعلم تقدير حدوثه وتحققه .ليس الحديث هنا عن فقه الأولويات على رغم أهميته ،ولكننا نغور عميقا في الفكر الذي يسبب هذه الفوضى بين العاجل والآجل ، ولماذا يكون علينا أن نتخذ قرارا غالبا ما يكون خاطئا بين الحاضر والمستقبل ،أو بين الحلم والحقيقة ؟! بداية لابد أن ندرك أن هناك نوعين من البشر : النوع الأول : ذاك الذي يعيش في لحظته الآنية ويرى أن مشاريع الحال أولى من توقعات المآل ،وهذا بالضبط يحاكي السياسي ، فالسياسي في تعريفه هو ذلك الشخص الذي يعمل وفق الممكن والراهن ،فتجده يبحث عن متطلبات الحياة اليومية ، وأسعار السلع ، وتوقعات أسواق المال ، على حساب الأهداف العالية التي غالبا ما تصبح مبادئ سامية ولكنها غير قابلة للتحقيق بالنسبة إليه ، لأن عذره القائم دوما : أنه

فقه التعرض للنفحات

صورة
رمضانيات (3) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) إن النفحة الواحدة من نفحات الله لو أجاد الإنسان فقه التعرض لها تكفيه هدر الأيام والأعمار في استجداء عطاء غير مكتوب له  ،أو عمل غير مفروض عليه .ففي طيات تلك النفحات تُطوى الجهود وتفصل مراحل الزمن ، ولا يعود للحساب معنى لأن الأرقام تتلاشى إذ ينتهي كل شيء إلى الأصل الذي خرج منه ، إلى الله . وهناك يتوقف كل سعي ، وتجمد كل حركة ، ولا يقوم إلا القلب تتجلى عليه الرحمات ، و تشرق فيه الكشوفات ، وتنير في أعطافه الأنوار مشبعة بالسداد على السبيل القويم ، ومكسوة بحديد العزم ، ومزدانة بلذيذ القربة ورحيق النجوى . فلما وصل الرسول المختار عند سدرة المنتهى ، خمدت كل شارة ، ولم يعد للصعوبة معنى ، ولا للمشقة فسحة ، فقد انتهى رجاء كل ذي رجاء ، وقبض بعين بصرته أمل كل مؤمل .فكيف يتسنى لنا نحن السالكين سبل الكسب ، والواقفين على شفير الهموم ، أن نتعرض لتلك النفحات ، وأن تكون لكل منا سدرة في قلبه ت

رجال العهد

رمضانيات (2) يظل الفكر حائرا   كيف استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصنع من فئة مستضعفة أمة كاملة نفسا وروحا ،ومجتمعا ودولة .وإذا كانت الجماعات ومن ثم الدول لا تقوم إلا على أساس فكرة أو عقيدة تلتف حولها وتدفعها بقوة نحو تحقيق وجودها المتفرد في مواكب الأمم البائدة والقادمة ، إلا أن هذه اللحمة الفكرية العقدية كانت من القوة في الإسلام بحيث استطاعت أن تتجاوز ذاتها الضيقة ( ذات العرب ، وذات أتباع الدين الواحد ، وذات العصبية القبلية ) ،وأن تؤسس لذات جديدة تقوم على المعنى والفكرة لا على روابط الدنيا القريبة .لذلك وحتى اليوم لم يستطع أحد أن يعطي هذا المجتمع المسلم   المتفرد أي صبغة موحدة تجعله قريبا من مفاهيم العصبيات الأرضية، فهو ليس مجتمع العرب وحدهم ، وليس مجموعة ذات الأسلمة لأن شرائع الإسلام تغطي حتى التعامل مع غير المسلمين وهذا ظهر في تاريخ الإسلام بشكل متواز مع التعاملات بين أفراده المنتسبين إليه ، كما أن هذه الرابطة ليست عصبية القبيلة ولا الدم ؛لأنه منذ اللحظة الأولى انضم إلى ركبها بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي .وإذا كان ابن خلدون قد قرر أن أي المبدأ الأساس في قيام